مصطفى الصواف
عام يمر ويتلوه أعوام، وشهر رمضان في كل عام من هذه الأعوام فيه يتم تجديد الإيمان والتقرب إلى الله، وكأن الله تعالى وضع هذا الشهر بفضائله خدمة لعباده المؤمنين، لأن في هذا الشهر كفارة لما قبله، ويدخل بعده العباد في عام جديد وقد غفرت ذنوبهم وفتحوا مع الله صفحة جديدة بعد أن أحسنوا العبادة من صيام وقيام وقراءة قرآن وصدقة وصلة أرحام وتغافر ورحمة.
من منا ليس بحاجة إلى مثل هذا الشهر كي يتطهر من ذنوبه؟، لذلك تجد المؤمن الحق هو من يستعد بهمة ونشاط لاستقبال هذا الشهر، استقبالا يليق بهذا الشهر العظيم، والذي شرفه الله بنزول خير كتاب على خير نبي لخير أمة أخرجت للناس.
استقبالنا لهذا الشهر ليس بالشهوات من طعام وشراب أو بمسليات ومن برامج وتمثيليات، استقبالنا لهذا الشهر بشحذ الهمم وتربية النفس على الطاعة والتقرب إلى الله، التخطيط لهذا الشهر فيه أولويات يجب علينا أن نرسمها لأنفسنا، ونرسم لأنفسنا كم من المرات سنقرأ القرآن الكريم ونتدبره، أي الأجزاء هذا العام سنقرأ تفسيرا لها، وأي الكتب التي سننكب على دراستها في سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
هل سألنا أنفسنا ما هي خارطة هذا الشهر في صلة الأرحام؟ ، وهل فكرنا من نقاطع والمطلوب أن نوصله؟، ومن من الأصدقاء سنزور ونعالج ما علق في النفس من غضاضة ونمحو الخلاف حتى نخرج من هذا الشهر وقد غفرنا لهذا ووصلنا هذا ودعونا لذاك.
نعم نحن في ضائقة اقتصادية؛ ولكن هذا الشهر هو شهر الكرم والجود، فالرسول (عليه الصلاة والسلام) كان كريما جوادا، ولكنه في رمضان كان أكرم وأجود، هل فكر الموسر منا أن يصل الناس ويقدم لهم إفطارا في شهر رمضان، يحمل الإفطار بين يديه ويقدمه لمن هو بحاجة إليه ساعياً إليه لأنه بحاجة إليه أكثر من حاجة المحتاج لهذا الطعام، لأن رزقه سيأتيه، فلماذا لا تكون أنت السباق في تقديم الخير.
أبواب كثيرة للخير في هذا الشهر الفضيل الذي نختتمه بالصدقة والزكاة التي تؤلف القلوب، هذه الأموال التي ننفقها للفقراء والمحتاجين، هي طهارة للمال والنفس وهي حق الله في هذه الأموال، وحق عباده أيضا التي يجب أن تؤدى في وقتها وزمانها حتى ندخل الفرحة على قلوب المحتاجين والذين منهم من ينتظر رمضان إلى رمضان حتى تصيبه نفحات الخير الرباني لهذا الشهر الكريم.
هناك أيضا وجها للإنفاق قد يغفل عنه البعض وهو الإنفاق على المجاهدين والمرابطين على الثغور مدافعين عن الدين والوطن والنفس، والذين يعدون العدة لمواجهة العدو الغادر الذي لا ينفك عن الكيد لهذا الدين وهذا الشعب، هؤلاء المجاهدون لهم حق علينا في أموالنا، والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال في الإنفاق على المجاهدين كلاماً بحاجة إلى وعي كبير والعمل به، حيث قال (عليه الصلاة والسلام): " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا"، هل هناك أفضل من هذا الذي يجب أن نحرص عليه.
وفي الختام نقول كل عام وأنتم بخير، كل عام وأنتم إلى الله أقرب، وندعو الله أن تكونوا من عتقاء شهر رمضان وأن تصيبكم رحمة الله ومغفرته، فشدوا العزم على طاعة الله وشمروا عن السواعد في القيام والعبادة، جعلكم الله من عواده وقد غفر الله لكم ما تقدم وما تأخر من ذنوبكم.