امي أبي.. إني أعتذر!!
د.سعد بن محمد الفياض
افتتح هذا المقال برسالة فتاة تصف نفسها بالمحطمة تقول : )كان والداي دائمي الانتقاد لي ، وإذا ما حاولت التحدث إليهما ؛ عن الأشياء التي نختلف بخصوصها ؛ كانت والدتي تترك كل الحديث لوالدي ، وكان والدي يتحدث في فقرات محكمة التركيب ، متصلة المفردات ، يجعل من المستحيل علي أن أقاطعه ؛ وأن أبدي رأي ، أو أن أقول له أي شيء ، و إذا قال لي مثلا: ( هناك ثلاث نقاط أود توضيحها لك ) كان معنى هذا أنه علي أن انتظر حتى النقطة الثالثة وعندها أكون قد نسيت ما كنت انوي الاعتراض عليه ؛ أو مناقشته في النقطة الأولى أو الثانية ، وعندما يتوقف مثلا عن حديثه وأبدي رأي فيه ؛ فإنه يستأنف حواره من النقطة التي توقف فيها كأن شيئا لم يكن ؛ وكأني لم أتحدث ، وقد كان هذا يعطيني الانطباع بأنه لم يكن يستمع إلى ما كنت أقول مطلقاً... ! وهذا ما كان يشعرني بالإحباط بل واحتقار ذاتي....!! (أمي): إني احبك كثيراً وأقدر كل ما قدمتيه ؛ وما بذلتيه من أجلي.. وأيضا أحب (أبي ) وأقدر جهده وما يعانيه من تعب وكد من اجل راحتي
ولكن ( أبي أمي ) أريد منكما أعظم من ذلك أريد منكما (الشعور بي ) و( الإحساس بمشاعري ) و(تقدير مكانتي ) و(الاهتمام بشخصيتي )، أريد التواصل معكما ؛ تواصلاً متسما بالود والرحمة والحوار؛ لا ذلك التواصل الذي يتسم بالصرامة والجمود ، وفراغ المشاعر ، ويفتقر لكل معاني الود ، والمحبة والاهتمام ؛ نعم لا أريد ( ذلك الوجه الآخر لوالدي !!) والذي دائما ما يصحبه التذمر والشكوى ، والنقد والتجريح والأمر والنهي . (أمي ): لقد كبرت وأصبحت امرأة ! ولكن تعاملكما معي لم يكبر حتى الآن !. (أمي ): رغم ما هيئتم لي من مأكل ومشرب فانا عطشى ! بل أكاد أموت من الضما ! نعم أنا (عطشى لحبكم وضما لعطفكم )، نعم لقد وفرتم لي المسكن المريح الآمن ؛ ولكن مع هذا فانا خائفة غير مستقرة ! انشد الأمن واطلب الاستقرار، ليس في ذلك القصر الذي وفرتم فيه كل شئ !! ولكن أريد الأمن والاستقرار في سويداء قلبيكما العظيم ، أناشدكما ألا تتركاني وحيدة حبيسة ( الحرمان العاطفي) جسداً بلا روح ، نعم أنتما معي ولكن أمامي فقط صورة اللحم والدم ! خالية المشاعر مفتقرة للحنان . ( أمي أبي ): معذرة لهذه الجرأة ! لأني لم أعد أحتمل ، معذرة لهذه الصراحة المؤلمة ! لأني لم أعد أطيق تلك المعاناة . إنني أشعر في داخلي ببركان يكاد ينفجر في أي لحظة .. والتي ربما تكون عاقبتها غير حميدة لي ولكما ولأسرتي !! التفت يمنة فلا أجد إلا القنوات الفضائية ، والتفت يسرة فلا أجد إلا الكمبيوتر والإنترنت وجهاز الهاتف وما أدراك ما الهاتف ؟!!
. (أمي أبي): معذرة لهذا الأسلوب الذي أخاطبكما به ! ولكن لابد من ذلك أنا لا أريد مالاً اوجاه ، ولا قصراً أو سيارة ؛ كلُ الذي أريده منكما مطلب واحد فقط لا يكلفكما شئ ؛ أريد أن تمنحاني ثقتكما بي وبشخصيتي ؛ أريد الشعور بالحب والرضا من قبلكما ؛ أريد أن تعاملانني بعدل ومساواة مع بقية إخواني وأخواتي وان كنت اقل منهم حلاوة وجمالا !! ، امنحاني الثقة بأعمالي ، والحرية في اختياري ، ثم بعد ذلك لامانع من تقويمي وتوجيهي من خلال لغة الحوار السهلة المفهومة (أبي أمي ): أشعروني بالعطف والحنان ، والرحمة والحب من خلال تعاملكما معي ولا تظطروني أن أبحث عنها بطريقتي الخاصة !! أتمنى وأرجو أن يكون التعامل معي تعاملاً راقياً والتوجيه لي توجيهاً محترما ، تقدر فيه أحاسيسي المرهفة ، ومشاعري الرقيقة ... أرجوكم ثم أرجوكم لا تجعلوني أبحث عن الحنان الذي حُرمت منه وأفتش عن العاطفة التي افتقدها ) ا.هـ هذه خواطر ومشاعر، وشجون فتاة ، اسطرها لكم ؛ (مع تحفظي على بعضها ) والتي تحكي بصدق معاناة بعض فتياتنا ، وما يشعرن به من جفوة وفراغ داخلي في بيوتهن نتيجة لسوء المعاملة ، وخطا التربية ؛ القائمة على القسوة والشدة ؛ وعدم التقدير والاحترام ؛ لذا يجب علينا جميعاً آباء وأمهات حتى لا نخسر بناتنا بطريقة تعاملنا معهن التعامل الخاطئ أن نكون هينين لينين ؛ وأن تسود بيننا الرحمة والرفق ، وأن نملأ قلوبهن حبا ومودة ، ونشبع فراغهن العاطفي بمزيد من الاهتمام لذواتهن ، وإظهار الإعجاب والمدح ، والثناء لشخصياتهن ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) لابد من لغة الاحترام والتقدير، والمودة والحب ، ولغة المناقشة والحوار ؛ لابد من البعد عن كل أنواع الإهانة والتوبيخ ؛ سواء العنف والشتم ، أو الضرب و الإهانة ، أو التجاهل لحاجاتهم المادية والاجتماعية والثقافية ؛ وقبل كل شئ وبعده حاجاتهم النفسية والعاطفية .. (وخيركم خيركم لأهله)، ورعاية البنات ، والعطف عليهن ومحبتهن حجاب من النار .. فهن الضعيفات الرقيقات الآتي لا يكرمهن إلا كريم ، ولا يهنهن إلا لئيم .. قد قسا قلبه ، وجفت مدامعه ، فكأنها الحجارة أو أشد قسوة منها .