تمر ذكرى استشهاد الرجل كل عام مروراً عابراً دون الاهتمام والتقدير اللذين يليقان بمكانته.. ولو أن هناك عقولاً تتدبر حال الأمة الذي بلغ منها الهوان مبلغه على أيدي يهود، لوقفت لذكرى هذا الرجل احتراماً، الزعماء قبل الشعوب.
ولو أن هناك من يحرص على حراسة ذاكرة الأمة بانتصاراتها المجيدة وأبطالها الذين حفروا بدمائهم تاريخاً ناصعاً.. لأصبح يوم التاسع عشر من نوفمبر كل عام عيداً قومياً يجتمع حوله العرب ليكون من الأيام النادرة التي تجمعهم بعد أن فرقتهم الأهواء .. لكن يبدو أنني أحلم حلماً بعيداً.. فالرجل نفسه لو كان حياً لكان على رأس المطلوبين من أنظمة عربية كثيرة إرضاء لليهود!!، ولتم تصنيفه على رأس قائمة الإرهاب لأنه هو الذي غرس بذرة الجهاد على أرض فلسطين ضد المشروع الاستعماري الصهيوني.. ومن يومها ترعرعت البذرة حتى صارت اليوم شجرة باسقة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. وصارت مستعصية على الاقتلاع.
ففي مثل هذا اليوم.. التاسع عشر من نوفمبر من عام 1935م استشهد الشيخ المجاهد عزالدين القسام وهو ممسك بسلاحه ووسط إخوانه يقاوم الاحتلال الغاصب بجسارة منقطعة النظير .. بينما كانت بعض الحكومات العربية تشارك في حراسة المشروع وتخذّل عنه وتسارع للدخول في هدنة تلو الهدنة حتى اليوم.
استطاع بقدراته على التعبئة والتوعية والتجنيد والتنظيم ثم باستشهاده أن يشعل ثورة عام 1936 وبقي حتى اليوم رمزا للمقاومة.
الميلاد والنشأة
ولد الشيخ عز الدين القسام في بلدة جبلة جنوبي اللاذقية في سوريا عام 1882 في بيت متدين حيث كان والده يعمل معلمًا للقرآن الكريم في كتَّاب كان يملكه.
التعليم
سافر القسام وهو في الرابعة عشرة من عمره مع أخيه فخر الدين لدراسة العلوم الشرعية في الأزهر، وعاد بعد سنوات يحمل الشهادة الأهلية، وقد تركت تلك السنوات في نفسه أثراً كبيراً حيث تأثر بكبار شيوخ الأزهر من أمثال الشيخ محمد عبده، وبالحركة الوطنية النشطة التي كانت تقاوم المحتل البريطاني ونشطت بمصر بعد فشل الثورة العرابية.
التوجهات الفكرية
كان القسام يعتبر الاحتلال البريطاني هو العدو الأول لفلسطين، ودعا في الوقت نفسه إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل يدعو الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم، وكان يردد دائماً أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين. وكان أسلوب الثورة المسلحة أمراً غير مألوف للحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك، حيث كان نشاطها يتركز في الغالب على المظاهرات والمؤتمرات.
حياته السياسية والعسكرية
عاد الشيخ القسام إلى جبلة عام 1903، واشتغل بتحفيظ القرآن الكريم في كتَّاب والده، وأصبح بعد ذلك إماماً لمسجد المنصوري في جبلة، وهناك ذاع صيته بخطبه المؤثرة وسمعته الحسنة.
قاد أول مظاهرة تأييداً لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكون سريّة من 250 متطوعاً، وقام بحملة لجمع التبرعات، ولكن السلطات العثمانية لم تسمح له ولرفاقه بالسفر لنقل التبرعات.
ثورة جبل صهيون
باع القسام بيته وترك قريته الساحلية وانتقل إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون 1919 - 1920. وقد حكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابياً.
بعد إخفاق الثورة فرَّ الشيخ القسام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقراً له حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، فكان يعطي دروساً ليلية لهم، ويكثر من زيارتهم، وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم.
رئيس جمعية الشبان المسلمين
والتحق بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً لها عام 1926. كان القسام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين.
تكوين الخلايا السرية
اتصف الشيخ الشهيد بقدرته الفائقة على التنظيم واختيار الأعضاء والقيادة والتسليح والإمداد معتمداً على السرية والدقة. كانت ثورته من أفضل الحركات تنظيماً ونشاطاً ولاقت حين انطلاقها تأييدا واحتراماً من الشعب بلغ الحد الأقصى وشكلت نموذجاً مثالياً لما يجب أن تكون عليه الثورات.
:كانت ثورته منذ انطلاقها عقائدية شجاعة في مرحلة كاد
اليأس فيها أن يعم البلاد وكان شعار ثورته
هذا جهاد نصر أو استشهاد.
استطاع القسامتكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد، وانضم في عام1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوةإلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء، ووحدة التدريبالعسكري.
ولم يكن القسام في عجلة من أمر إعلان الثورة، فقد كان مؤمناً بضرورةاستكمال الإعداد والتهيئة، لذا فإنه رفض أن يبدأ تنظيمه في الثورة العلنية بعدحادثة البراق عام 1929 لاقتناعه بأن الوقت لم يحن بعد.
الانتقال إلى الريف
تسارعتوتيرة الأحداث في فلسطين في عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركاتالشيخ القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناًشرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرض ضدالانتداب البريطاني، فأقام في منطقة جنين ليبدأعملياته المسلحة من هناك. وكانت أول قرية ينزل فيها هي كفردان، ومن هناك أرسلالدعاة إلى القرى المجاورة ليشرحوا للأهالي أهداف الثورة، ويطلبوا منهم التطوعفيها، فاستجابت أعداد كبيرة منهم.
استشهاده
اكتشفت القوات البريطانية مكان اختبائه فيقرية البارد في 15/11/1935، لكن الشيخ عز الدين استطاع الهرب هو و15 فرداً منأتباعه إلى قرية الشيخ زايد، ولحقت به القوات البريطانية في 19/11/1935 فطوقتهموقطعت الاتصال بينه وبين القرى المجاورة، وطالبته بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك معتلك القوات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلاً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفينلمدة ست ساعات، سقط الشيخ القسام وبعض رفاقه شهداء في نهايتها، وجرح وأسرالباقون.
وكان لاستشهاد الشيخ القسام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينيةالكبرى عام 1936, وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعدذلك.
ظن اليهود باستشهاد الشيخ أنه قد تم وأد شرارة الجهادفي مهدها، لكن قطرات الدماء التي تفجرت من جسده الطاهر روت أرض «جنين» وسرت من تحتالأرض لتنبت شجرة الجهاد الصلبة وتحولت شرارتها إلى نيران تحرق العدو كليوم..
فقدصار المجاهدون السائرون على دربهيسمون بـ القساميون واقترنت هذهالتسمية بهالة من القداسة ، كما كان إخوان القسام يتبادلون هذه الصفة بينهم بفخروأصبح تلاميذه يرددونها باعتزاز
المصدر: شبكة المنهج